فصل: باب لا يكون المستثنى فيه إلا نصباً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


  باب ما لا يكون إلا على معنى

ولكن فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لا عاصمَ اليومَ من أمر الله إلا مَن رحم ‏"‏ أي ولكن من رحم‏.‏

وقوله عز وجلّ‏:‏ ‏"‏ فلولا كانت قرية آمنتْ فنفعها إيمانُها إلا قومَ يونسَ لمّا آمنوا ‏"‏ أي ولكن قوم يونس لما آمنوا‏.‏

وقوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ فلولا كانَ من القرون من قبلِكم أولوا بقيةٍ ينهونَ عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم ‏"‏ أي ولكن قليلاً مما أنجينا منهم‏.‏

وقوله عز وجلّ‏:‏ ‏"‏ أُخرِجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربُّنا الله ‏"‏ أي ولكنهم يقولون‏:‏ ربُنا الله‏.‏

وهذا الضربُ في القرآن كثير‏.‏

ومن ذلك من الكلام‏:‏ لا تكوننّ من فلان في شيء إلا سلاماً بسلام‏.‏

ومثل ذلك أيضاً من الكلام فيما حدّثنا أبو الخطاب‏:‏ ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضرّ‏.‏

فما مع الفعل بمنزلة اسم نحو النقصان والضّرر‏.‏

كما أنك إذا قلت‏:‏ ما أحسنَ ما كلّم زيداً فهو ما أحسنَ كلامَ زيداً‏.‏

ولولا ما لم يجز الفعل بعدُ إلا في ذا الموضع كما لا يجوز بعد ما أحسنَ بغير ما كأنه قال‏:‏ ولكنه ضرّ وقال‏:‏ ولكنه نقص‏.‏

هذا معناه‏.‏

ومثل ذلك من الشعر قول النابغة‏:‏ ولا عيبَ فيهم غيرَ أن سيوفَهم بهنّ فلولٌ من قِراعِ الكتائب أي ولكن سيوفهم بهن فلول‏.‏

وقال النابغة الجعدي‏:‏ فتى كمُلت خيراتُه غير أنه جوادٌ فلا يُبقي من المال باقيا كأنه قال‏:‏ ولكنه مع ذلك جواد‏.‏

ومثل ذلك قول الفرزدق‏:‏ كأنه قال‏:‏ ولكني ابنُ غالب‏.‏

ومثل ذلك في الشعر كثيرٌ‏.‏

ومثل ذلك قوله وهو قول بعض بني مازن يقال له عنزُ بن دجاجة‏:‏ من كان أشركَ في تفرّق فالجٍ فلَبُونه جرِبَت معاً وأغدّتِ إلا كناشرةَ الذي ضيّعتُم كالغُصن في غُلوائه المنبّتِ كأنه قال‏:‏ ولكن هذا كناشرة‏.‏

وقال‏:‏

لولا ابنُ حارثة الأميرُ لقد ** أغضيْتَ من شتمي على رغمِ

إلا كمُعرضٍ المحسّرِ بَكرَه ** عَمداً يسبّبُني على الظُلْم

  باب ما تكون فيه أنّ وأنْ مع صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء

وذلك قولهم ما أتاني إلا أنهم قالوا كذا وكذا فأنّ في موضع اسم مرفوع كأنه قال‏:‏ ما أتاني إلا قولُهم كذا وكذا‏.‏

ومثل ذلك قولهم‏:‏ ما منعني إلا أن يغضب عليّ فلانٌ‏.‏

والحجةُ على أنّ هذا في موضع رفع أنّ أبا الخطاب حدّثنا أنه سمع من العرب الموثوق بهم مَن لم يمنع الشربَ منها غيرُ أنْ نطقَتْ حمامة في غصونٍ ذات أوقالِ وزعموا أن ناساً من العرب ينصبون هذا الذي في موضع الرفع فقال الخليل رحمه الله‏:‏ هذا كنصب بعضهم يومئذ في كل موضع فكذلك غير أن نطقت‏.‏

وكما قال النابغة‏:‏ على حين عاتَبتُ المشيبَ على الصّبا وقلتُ ألمّا أصْحُ والشيبُ وازعُ كأنه جعل حين وعاتبتُ اسماً واحداً‏.‏

  باب لا يكون المستثنى فيه إلا نصباً

لأنه مخرَجٌ مما أدخلت فيه غيره فعمل فيه ما قبله كما عمل العشرون في الدرهم حين قلت‏:‏ له عشرون درهماً‏.‏

وهذا قول الخليل رحمه الله وذلك قولك‏:‏ أتاني القومُ إلا أباك ومررتُ بالقوم إلا أباك والقوم فيها إلا أباك وانتصب الأب إذ لم يكن داخلاً فيما دخل فيه ما قبله ولم يكن صفة وكان العاملُ فيه ما قبله من الكلام كما أن الدرهم ليس بصفة للعشرين ولا محمولٍ على ما حُملت عليه وعمل فيها‏.‏

وإنما منع الأبَ أن يكون بدلاً من القوم أنك لو قلت أتاني إلا أبوك كان مُحالاً‏.‏

وإنما جاز ما أتاني القومُ إلا أبوك لأنه يحسن لك أن تقول‏:‏ ما أتاني إلا أبوك فالمبدَل إنما يجيء أبداً كأنه لم يُذكَر قبله شيء لأنك تُخلي له الفعل وتجعله مكان الأول‏.‏

فإذا قلت‏:‏ ما أتاني القومُ إلا أبوك فكأنك قلت‏:‏ ما أتاني إلا أبوك‏.‏

وتقول‏:‏ ما فيهم أحدٌ إلا وقد قال ذلك إلا زيداً كأنه قال‏:‏ قد قالوا ذلك إلا زيداً‏.‏

  باب ما يكون فيه إلا وما بعده وصفاً بمنزلة مثلٍ وغيرٍ

وذلك قولك‏:‏ لو كان معنا رجلٌ إلا زيدٌ لغُلِبنا‏.‏

والدليل على أنه وصف أنك لو قلت‏:‏ لو كان معنا إلا زيدٌ لهلكْنا وأنت تريد الاستثناء لكنت قد أحلتَ‏.‏

ونظر ذلك قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ لو كان فيهما آلهة إلا اللهُ لفسدَتا ‏"‏‏.‏

ونظير ذلك من الشعر قوله وهو ذو الرمة‏:‏ أنيخَت فألقتْ بلدةً فوق بلدةٍ قليلٍ بها الأصواتُ إلا بُغامُها كأنه قال‏:‏ قليلٍ بها الأصوات غيرُ بغامها إذا كانت غيرُ غيرَ استثناء‏.‏

ومثل ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لا يستوي القاعدون من المؤمنين غيرُ أولي الضّرَر ‏"‏ وقوله عزّ وجلّ ذكره‏:‏ ‏"‏ صراطَ الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوبِ عليهم ‏"‏‏.‏

ومثل ذلك في الشعر للبيد بن ربيعة‏:‏ وقال أيضاً‏:‏ لو كان غيري سُليمى اليومَ غيّرَهُ وقعُ الحوادث إلا الصارمُ الذّكرُ كأنه قال‏:‏ لو كان غيري غيرُ الصارم الذكر لغيّره وقع الحوادث إذا جعلت غيرا الآخرة صفة للأولى‏.‏

والمعنى أنه أراد أن يخبر أن الصارم الذكر لا يغيّره شيء‏.‏

وإذا قال‏:‏ ما أتاني أحد إلا زيد فأنت بالخيار إن شئت جعلت إلا زيد بدلاً وإن شئت جعلته صفةً‏.‏

ولا يجوز أن تقول‏:‏ ما أتاني إلا زيدٌ وأنت تريد أن تجعل الكلام بمنزلة مثل وإنما يجوز ذلك صفة‏.‏

ونظير ذلك من كلام العرب أجمعون لا يجري في الكلام إلا على اسم ولا يعمل فيه ناصبٌ ولا رافعٌ ولا جارّ‏.‏

وقال عمرو بن معدي كرب‏:‏ وكلُ أخٍ مُارقُه أخوه لعَمْرُ أبيك إلا الفرقدانِ كأنه قال‏:‏ وكلُ أخ غيرُ الفرقدين مفارقُه أخوه إذا وصفتَ به كُلاً كما قال الشمّاخ‏:‏ وكلُ خليلٍ غيرُ هاضم نفسِه لوصلِ خليلٍ صارمٌ أو مُعازرُ ولا يجوز رفع زيد على إلا أن يكون لأنك لا تضمِر الاسم الذي هذا من تمامه لأن أنْ يكون

  هذا باب ما يقدَّم فيه المستثنى

وذلك قولك‏:‏ ما فيها إلا أباك أحدٌ وما لي إلا أباك صديقٌ‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أنهم إنما حملهم على نصب هذا أن المستثني إنما وجهه عندهم أن يكون بدلاً ولا يكون مبدَلاً منه لأن الاستثناء إنما حدّه أن تَدارَكَه بعد ما تنفي فتُبدِله فلما لم يكن وجه الكلام هذا حملوه على وجه قد يجوز إذا أخّرتَ المستثني كما أنهم حيث استقبحوا أن يكون الاسم صفةً في قولهم‏:‏ فيها قائماً رجلٌ حملوه على وجه قد يجوز لو أخّرتَ الصفة وكان هذا الوجهُ أمثلَ عندهم من أن يحملوا الكلام على غير وجهه‏.‏

قال كعب بن مالك‏:‏ الناسُ ألبٌ علينا فيك ليس لنا إلا السيوفَ وأطرافَ القنا وزَرُ سمعناه ممن يرويه عن العرب الموثوق بهم كراهية أن يجعلوا ما حدُّ المستثني أن يكون بدلاً منه بدلاً من المستثنى‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ ما لي إلا أباك صديقٌ‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما أتاني أحدٌ إلا أبوك خيرٌ من زيد وما مررتُ بأحدٍ إلا عمرو خيرٍ من زيد وما مررتُ بأحد إلا عمرو خيرٍ من زيدٍ كان الرفع والجرّ جائزين وحسُن البدل لأنك قد شغلت الرافعَ والجارّ ثم أبدلتَه من المرفوع والمجرور ثم وصفتَ بعد ذلك‏.‏

وكذلك‏:‏ مَن لي إلا أبوك صديقاً لأنك أخليت مَن للأب ولم تُفرده لأن يعمل كما يعمل المبتدأ‏.‏

وقد قال بعضهم‏:‏ ما مررتُ بأحدٍ إلا زيداً خيرٍ منه وكذلك مَن لي إلا زيداً صديقاً وما لي أحدٌ إلا زيداً صديقٌ كرهوا أن يقدّموا وفي أنفسهم شيء من صفته إلا نصباً كما كرهوا أن يقدَّم قبل الاسم إلا نصباً‏.‏

وحدّثنا يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقولون‏:‏ ما لي إلا أبوك أحد فيجعلون أحداً بدلاً كما قالوا‏:‏ ما مررتُ بمثله أحد فجعلوه بدلاً‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ ما لي إلا أبوك صديقاً كأنك قلت‏:‏ لي أبوك صديقاً كما قلت‏:‏ مَن لي إلا أبوك صديقاً حين جعلتَه مثلَ‏:‏ ما مررتُ بأحدٍ إلا أبيك خيراً منه‏.‏

ومثله قول الشاعر وهو الكَلحَبة الثعلبي‏:‏ أمرتُكمُ أمري بمنقطَع اللِّوى ولا أمرَ للمَعصيّ إلا مضيَّعا كأنه قال‏:‏ للمعضيّ أمرٌ مضيّعا كما جاز فيها رجلٌ قائماً‏.‏

وهذا قول الخليل رحمه الله‏.‏

وقد يكون أيضاً على قوله‏:‏ لا أحدَ فيها إلا زيداً‏.‏

ما تكون فيه في المستثنى الثاني بالخيار وذلك قولك‏:‏ ما لي إلا زيداً صديقٌ وعمراً وعمرٌو ومَن لي إلا أباك صديقٌ وزيداً وزيدٌ‏.‏

أما النصب فعلى الكلام الأول وأما الرفع فكأنه قال‏:‏ وعمرو لي لأن هذا المعنى لا ينقضُ ما تريد في النصب‏.‏

وهذا قول يونسَ والخليل رحمهما الله‏.‏

  هذا باب تثنية المستثنى

وذلك قولك‏:‏ ما أتاني إلا زيدٌ إلا عمراً‏.‏

ولا يجوز الرفعُ في عمرو من قبل أن المستثنى لا يكون بدلاً من المستثنى‏.‏

وذلك أنك لا تريد أن تُخرج الأول من شيء تُدخل فيه الآخِر‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ ما أتاني إلا زيداً إلا عمرٌو فتجعل الإتيان لعمرو ويكون زيد منتصباً من حيث انتصب عمرو فأنت في ذا بالخيار إن شئت نصبت الأول ورفعت الآخر وإن شئت نصبتَ الآخِر ورفعت الأول‏.‏

وتقول‏:‏ ما أتاني إلا عمراً إلا بِشراً أحدٌ كأنك قلت‏:‏ ما أتاني إلا عمراً أحدٌ إلا بِشرٌ فجعلتَ بشراً بدلاً من أحد ثم قدّمت بشراً فصار كقولك‏:‏ ما لي إلا بشراً أحدٌ لأنك إذا قلت‏:‏ ما لي إلا عمراً أحدٌ إلا بشرٌ فكأنك قلت‏:‏ ما لي أحدٌ إلا بشرٌ‏.‏

فما لي إلا اللهُ لا رَبَّ غيرَه وما لي إلا اللهَ غيرَك ناصرُ فغيرَك بمنزلة إلا زيداً‏.‏

وأما قوله وهو حارثة بن بدر الغُدانيّ‏:‏ يا كعبُ صبراً على ما كان من حدثٍ يا كعبُ لم يبقَ منا غيرُ أجلادِ إلا بقيّاتُ أنفاسٍ تُحشرِجُها كراحلٍ رائحٍ أو باكرٍ غادي فإن غير ههنا بمنزلة مثل كأنك قلت‏:‏ لم يبقَ منها مثلُ أجلادٍ إلا بقياتُ أنفاس‏.‏

وعلى ذا أنشدَ بعض الناس هذا البيت رفعاً للفرزدق‏:‏ ما بالمدينة دارٌ غيرُ واحدةٍ دار الخليفة إلا دارُ مروانِ جعلوا غير صفة بمنزلة مثل ومَن جعلها بمنزلة الاستثناء لم يكن له بدّ من أن ينصب أحدَهما وهو قول ابن أبي إسحاق‏.‏

وأما إلا زيدٌ فإنه لا يكون بمنزلة مثل إلا صفة‏.‏

ولو قلت‏:‏ ما أتاني إلا زيدٌ إلا أبو عبد الله كان جيداً إذا كان أبو عبد الله زيداً ولم يكن غيره لأن هذا يكرَّر توكيداً كقولك‏:‏ رأيت زيداً زيداً‏.‏

وقد يجوز أن يكون غيرَ زيد على الغلط والنسيان كما يجوز أن تقول‏:‏ رأيتُ زيداً عمراً لأه ومثلُ ما أتاني إلا زيدٌ إلا أبو عبد الله إذا أردت أن تبيّن وتُوضحَ قوله‏:‏ ما لك من شيخِك إلا عملُه إلا رسيمُه وإلا رَمَلُهْ

  هذا باب ما يكون مبتدأ بعد إلا

وذلك قولك‏:‏ ما مررتُ بأحد إلا زيدٌ خيرٌ منه كأنك قلت‏:‏ مررت بقوم زيدٌ خيرٌ منهم إلا أنك أدخلت إلا لتجعل زيداً خيراً من جميع من مررتَ به‏.‏

ولو قال‏:‏ مررتُ بناس زيدٌ خيرٌ منهم لجاز أن يكون قد مرّ بناس آخرين هم خيرٌ من زيد فإنما قال‏:‏ ما مررتُ بأحدٍ إلا زيدٌ خيرٌ منه ليخبر أنه لم يمرّ بأحدٍ يفضل زيداً‏.‏

ومثل ذلك قول العرب‏:‏ والله لأفعلن كذا وكذا إلا حِلُّ ذلك أن أفعل كذا وكذا‏.‏

فأنْ أفعل كذا وكذا بمنزلة فعل كذا وكذا وهو مبنيّ على حِلّ وحِلّ مبتدأ كأنه قال‏:‏ ولكنْ حِلُّ ذلك أن أفعل كذا وكذا‏.‏

وأما قولهم‏:‏ والله لا أفعلُ إلا أن تفعل فأنْ تفعل في موضع نصب والمعنى حتى تفعل أو كأنه قال‏:‏ أو تفعل‏.‏

والأول مبتدأ ومبني عليه‏.‏

  هذا باب غير

اعلم أن غيراً أبداً سوى المضاف إليه ولكنه يكون فيه معنى إلا فيُجرى مُجرى الاسم الذي بعد إلا وهو الاسم الذي يكون داخلاً فيما يخرج منه غيره وخارجاً مما يدخل فيه غيره‏.‏

فأما دخوله فيما يخرج منه غيرُه فأتاني القومُ غيرَ زيد فغيرهم الذين جاءوا ولكن فيه معنى إلا فصار بمنزلة الاسم الذي بعد إلا‏.‏

وأما خروجه مما يدخل فيه غيره فما أتاني غيرُ زيدٍ‏.‏

وقد يكون بمنزلة مثل ليس فيه معنى إلا‏.‏

وكلُ موضع جاز فيه الاستثناء بإلا جاز بغيْر وجرى مجرى الاسم الذي بعد إلا لأنه اسم بمنزلته وفيه معنى إلا‏.‏

ولو جاز أن تقول‏:‏ أتاني القومُ زيداً تريد الاستثناء ولا تذكر إلا لما كان إلا نصباً‏.‏

ولا يجوز أن يكون غير بمنزلة الاسم الذي يُبتدأ بعد إلا وذلك أنهم لم يجعلوا فيه معنى إلا مبتدأ وإنما أدخلوا فيه معنى الاستثناء في كل موضع يكون فيه بمنزلة مثل ويُجزئ من الاستثناء‏.‏

ألا ترى أنه لو قال‏:‏ أتاني غيرُ عمرٍو كان قد أخبر أنه لم يأته وإن كان قد يستقيم أن يكون قد أتاه فقد يُستغنى به في مواضع من الاستثناء‏.‏

ولو قال‏:‏ ما أتاني غيرُ زيد يريد بها منزلة مثل لكان مُجزِئاً من الاستثناء كأنه قال‏:‏ ما أتاني الذي هو غيرُ زيد فهذا يُجزئ من

  باب ما أُجري على موضع غير لا على ما بعد غير‏.‏

زعم الخليل رحمه الله ويونس جميعاً أنه يجوز‏:‏ ما أتاني غيرُ زيد وعمرو‏.‏

فالوجه الجرّ‏.‏

وذلك أن غير زيد في موضع إلا زيدٌ وفي معناه فحملوه على الموضع كما قال‏:‏ فلسنا بالجبال ولا الحديدا فلما كان في موضع إلا زيدٌ وكان معناه كمعناه حملوه على الموضع‏.‏

والدليل على ذلك أنك إذا قلت غيرُ زيد فكأنك قد قلت إلا زيد‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ ما أتاني غيرُ زيد وإلا عمرٌو فلا يقبحُ الكلام كأنك قلت‏:‏ ما أتاني إلا زيد وإلا عمرو‏.‏

  باب يُحذف المستثنى فيه استخفافاً

وذلك قولك‏:‏ ليس غيرُ وليس إلا كأنه قال‏:‏ ليس إلا ذاك وليس غير ذاك ولكنهم حذفوا ذلك تخفيفاً واكتفاءً بعلم المخاطَب وما يعني‏.‏

وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول‏:‏ ما منهم مات حتى رأيتُه في حال كذا وكذا وإنما يريد ما منهم واحدٌ مات‏.‏

ومثل ذلك قوله تعالى جده‏:‏ ‏"‏ وإن مِن أهلِ الكتاب إلا لَيُؤمننّ به قبلَ كأنك من جِمال بني أُقَيشٍ يقعقَعُ خلفَ رجليْه بشّنِّ أي كأنك جملٌ من جمال بني أقيش‏.‏

ومثل ذلك أيضاً قوله‏:‏ لو قلتَ ما في قومها لم تيثَمِ يَفضُلُها في حَسبٍ وميسَمِ يريد‏:‏ ما في قومها أحد فحذفوا هذا كما قالوا‏:‏ لو أن زيداً هنا وإنما يريدون‏:‏ لكان كذا وكذا‏.‏

وقولهم‏:‏ ليس أحدٌ أي ليس هنا أحدٌ‏.‏

فكل ذلك حُذف تخفيفاً واستغناء بعلم المخاطَب بما يعني‏.‏

ومثل البيتين الأولين قول الشاعر وهو ابن مُقبل‏:‏ وما الدهرُ إلا تارتانِ فمنهما أموتُ وأخرى أبتغي العيشَ أكدحُ إنما يريد منهما تارة أموت وأخرى‏.‏

ومثل قولهم ليس غير‏:‏ هذا الذي أمسِ يريد الذي فعل أمس‏.‏

وقوله وهو العجّاج‏:‏ بعد اللَّتيّا واللّتيا والتي فليس حذف المضاف إليه في كلامهم بأشدّ من حذف تمام الاسم‏.‏

فإذا جاءتا وفيهما معنى الاستثناء فإن فيهما إضماراً على هذا وقع فيهما معنى الاستثناء كما أنه لا يقع معنى النهي في حسبك إلا أن يكون مبتدأ‏.‏

وذلك قولك‏:‏ ما أتاني القومُ ليس زيداً وأتوني لا يكون زيداً وما أتاني أحدٌ لا يكون زيداً كأنه حين قال‏:‏ أتوني صار المخاطَب عنده قد وقع في خلَده أن بعض الآتين زيدٌ حتى كأنه قال‏:‏ بعضُهم زيدٌ فكأنه قال‏:‏ ليس بعضهم زيداً‏.‏

وترك إظهار بعضٍ استغناء كما ترك الإظهار في لاتَ حينَ‏.‏

فهذه حالهما في حال الاستثناء وعلى هذا وقع فيهما الاستثناء فأجرهما كما أجروهما‏.‏

وقد يكون صفة وهو قول الخليل رحمه الله‏.‏

وذلك قولك‏:‏ ما أتاني أحدٌ ليس زيداً وما أتاني رجل لا يكون بشراً إذا جعلت ليس ولا يكون بمنزلة قولك‏:‏ ما أتاني أحدٌ لا يقول ذاك إذا كان لا يقول في موضع قائلٌ ذاك‏.‏

ويدلّك على أنه صفة أن بعضهم يقول‏:‏ ما أتتني امرأةٌ لا تكون فلاة وما أتتني امرأة ليست فلانة‏.‏

فلو لم يجعلوه صفةً لم يؤنّثوه لأن الذي لا يجيء صفة فيه إضمار مذكَّر‏.‏

ألا تراهم يقولون‏:‏ أتينني لا يكون فلانة وليس فلانة يريد‏:‏ ليس بعضُهن فلانة والبعض مذكّر‏.‏

وأما عدا وخلا فلا يكونان صفة ولكن فيهما إضمار كما كان في ليس ولا يكون وهو إضمارٌ قصته فيهما قصته في لا يكون وليس‏.‏

وذلك قولك‏:‏ ما أتاني أحدٌ خلا زيداً وأتاني القومُ عدا عمراً كأنك قلت‏:‏ جاوز بعضُهم زيداً‏.‏

إلا أن خلا وعدا فيهما معنى الاستثناء ولكني ذكرت جاوز لأمثّل لك به وإن كان لا يُستعمل في هذا الموضع‏.‏

وتقول‏:‏ أتاني القومُ ما عدا زيداً وأتَوني ما خلا زيداً‏.‏

فما هنا اسمٌ وخلا وعدا صلة له كأنه قال‏:‏ أتوني ما جاوز بعضُهم زيداً‏.‏

وما هم فيها عدا زيداً كأنه قال‏:‏ ما هم فيها ما جوز بعضُهم زيداً وكأنه قال‏:‏ إذا مثّلتَ ما خلا وما عدا فجعلتَه اسماً غير موصول قلت‏:‏ أتوني مجاوزتَهم زيداً مثّلتَه بمصدر ما هو في معناه كما فعلتَه فيما مضى‏.‏

إلا أن جاوز لا يقع في الاستثناء‏.‏

وإذا قلت‏:‏ أتوني إلا أن يكون زيدٌ فالرفع جيدٌ بالغ وهو كثير في كلام العرب لأن يكونُ صلةٌ لأنْ وليس فيها معنى الاستثناء وأن يكون في موضع اسم مستثنى كأنك قلت‏:‏ يأتونك إلا أن يأتيك زيد‏.‏

والدليل على أن يكون ليس فيها هنا معنى الاستثناء‏:‏ أن ليس وعدا وخلا لا يقعن ههنا‏.‏

ومثلُ الرفع قولُ الله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ إلا أن تكونَ تجارةٌ عن تراضٍ منكم ‏"‏‏.‏

وبعضهم ينصب على وجه النصب في لا يكون والرفع أكثر‏.‏

وأما حاشا فليس باسم ولكنه حرفٌ يجر ما بعده كما تجرّ حتى ما بعدها وفيه معنى الاستثناء‏.‏

وبعضُ العرب يقول‏:‏ ما أتاني القومُ خلا عبدِ الله فيجعل خلا بمنزلة حاشا‏.‏

فإذا قلت ما خلا فليس فيه إلا النصب لأن ما اسمٌ ولا تكون صلتُها إلا الفعل ها هنا وهي ما التي في قولك‏:‏ أفعلف ما فعلتَ‏.‏

ألا ترى أنك لو قلت‏:‏ أتوني ما حاشا زيداً لم يكن كلاماً‏.‏

وأما أتاني القوم سواك فزعم الخليل رحمه الله أن هذا كقولك‏:‏ أتاني القوم مكانك وما أتاني أحدٌ مكانك إلا أن في سواك معنى الاستثناء‏.‏

  باب مجرى علاماتِ المضمرين

وما يجوز فيهن كلهن وسنبين ذلك إن شاء الله‏.‏

  باب علامات المضمرين المرفوعين

اعلم أن المضمَر المرفوع إذا حدّث عن نفسه فإن علامته أنا وإن حدّث عن نفسه وعن آخر قال‏:‏ نحنُ وإن حدّث عن نفسه وعن آخرين قال‏:‏ نحنُ‏.‏

ولا يقع أنا في موضع التاء التي في فعلْتُ لا يجوز أن تقول فعل أنا لأنهم استغنوا بالتاء عن أنا‏.‏

ولا يقع نحنُ في موضع نا التي في فعَلْنا لا تقول فعلَ نحن‏.‏

وأما المضمَر المخاطَب فعلامته إن كان واحداً‏:‏ أنت وإن خاطبتَ اثنين فعلامتُهما‏:‏ أنتُما وإن خاطبتَ جميعاً فعلامتُهم‏:‏ أنتم‏.‏

واعلم أنه لا يقع أنتَ في موضع التاء التي في فعَلْتَ ولا أنتما في موضع تُما التي في فعلتُما‏.‏

ألا ترى أنك لا تقول فعل أنتُما‏.‏

ولا يقع أنتم في موضع تُمْ التي في فعلتُم لو قلت فعل أنتم لم يجز‏.‏

ولا يقع أنت في موضع التاء في فعلْتَ ولا يقع أنتُنّ في موضع تنَّ التي في فعلتُنّ لو قلت فعلَ أنتُنّ لم يجز‏.‏

وأما المضمَر المحدَّث عنه فعلامتُه‏:‏ هو وإن كان مؤنّثاً فعلامته‏:‏ هي وإن حدّثتَ عن اثنين فعلامتُهما‏:‏ هُما‏.‏

وإن حدّثتَ عن جميع فعلامتهم‏:‏ هُم وإن كان الجميع جميع المؤنّث فعلامته‏:‏ هُنّ‏.‏

ولا يقع هو في موضع المضمَر الذي في فعل لو قلت فعل هو لم يجز إلا أن يكون صفةً‏.‏

ولا يجوز أن يكون هُما في موضع الألف التي في ضربا والألف التي في يضربان لو قلت ضرب هُما أو يضربُ هُما لم يجز‏.‏

ولا يقع هُم في موضع الواو التي في ضربوا ولا الواو التي مع النون في يضربون‏.‏

لو قلت ضرب هُم أو يضربُ هُم لم يجز‏.‏

وكذلك هي لا تقع موضع الإضمار الذي في فعلتْ لأن ذلك الإضمار بمنزلة الإضمار الذي له علامة‏.‏

ولا يقع هُنّ في موضع النون التي في فعلْنَ ويفعلنَ لو قلت فعل هُنّ لم يجز إلا أن يكون صفةً كما لم يجز ذلك في المذكّر فالمؤنّث يجري مجرى المذكّر‏.‏

فأنا وأن ونحن وأنتما وأنتم وأنتنّ وهو وهي وهُما وهُم وهنّ لا يقع شيء منها في موضع شيء من العلامات مما ذكرنا ولا في موضع المضمَر الذي لا علامةَ له لأنهم استغنوا بهذا فأسقطوا ذلك‏.‏

  باب استعمالهم علامة الإضمار

فمن ذلك قولهم‏:‏ كيف أنت وأين هو من قبل أنك لا تقدر على التاء ههنا ولا على الإضمار الذي في فعلَ‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ نحن وأنتم ذاهبون لأنك لا تقدر هنا على التاء والميم التي في فعلتُم كما لا تقدر في الأول على التاء في فعلتَ‏.‏

وكذلك جاء عبد الله وأنت لأنك لا تقدر على التاء التي تكون في الفعل‏.‏

وتقول‏:‏ فيها أنتم لأنك لا تقدر على التاء والميم التي في فعلتُم ها هنا‏.‏

وفيها هم قياماً بتلك المنزلة لأنك لا تقدر هنا على الإضمار الذي في الفعل‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ أما الخبيث فأنت وأما العاقل فهو لأنك لا تقدر هنا على شيء مما ذكرنا‏.‏

وكذلك‏:‏ كنا وأنتم ذاهبين ومثل ذلك أهو هو‏.‏

وقال الله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ كأنه هو وأوتينا العلم ‏"‏ فوقع هو ها هنا لأنك لا تقدر على الإضمار الذي في فعلَ‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ فكأنها هي بعد غِبّ كلالِها أو أسفعُ الخدّيْن شاةُ إرانِ وتقول‏:‏ ما جاء إلا أنا‏.‏

قال عمرو بن معدي كرب‏:‏ قد علمَتْ سلمى وجاراتُها ما قطّر الفارس إلا أنا وكذلك هاأناذا وها نحن أولاء وها هو ذاك وها هما ذانك وها هم أولئك وها أنت ذا وها أنتما ذان وها أنتم أولاء وها أنتنّ أولاء وها هنّ أولئك‏.‏

وإنما استُعملت هذه الحروف هنا لأنك لا تقدر على شيء من الحروف التي تكون علامةً في وزعم الخليل رحمه الله أن ها هنا هي التي مع ذا إذا قلت هذا وإنما أرادوا أن يقولوا هذا أنت ولكنهم جعلوا أنت بين ها وذا وأرادوا أن يقولوا أنا هذا وهذا أنا فقدّموا ها وصارت أنا بينهما‏.‏

وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوقَ بهم يقولون‏:‏ أنا هذا وهذا أنا‏.‏

ومثل ما قال الخليل رحمه الله في هذا قول الشاعر‏:‏ ونحن اقتسمنا المالَ نصفين بيننا فقلتُ‏:‏ لهم هذا لها ها وذاليا كأنه أراد أن يقول‏:‏ وهذا لي فصيّر الواو بين ها وذا‏.‏

وزعم أن مثل ذلك‏:‏ إي ها الله ذا إنما هو هذا‏.‏

وقد تكون ها في ها أنت ذا غير مقدّمة ولكنها تكون للتنبيه بمنزلتها في هذا يدلّك على هذا قوله عزّ وجل‏:‏ ‏"‏ ها أنتم هؤلاء ‏"‏ فلو كانت ها ها هنا هي التي تكون أولاً إذا قلت هؤلاء لم تُعَد ها ها هنا بعد أنتم‏.‏

وحدّثنا يونس أيضاً تصديقاً لقول أبي الخطاب أن العرب تقول‏:‏ هذا أنت تقول كذا وكذا لم يرِد بقوله هذا أنت أن يعرّفه نفسَه كأنه يريد أن يعلمه أنه ليس غيره‏.‏

هذا محال ولكنه أراد أن ينبهه كأنه قال‏:‏ الحاضرُ عندنا أنت والحاضر القائل كذا وكذا أنت‏.‏

  باب علامة المضمرين المنصوبين

اعلم أن علامة المضمرين المنصوبين إيّا ما لم تقدَر على الكاف التي في رأيتك وكُما التي في رأيتُكما وكُم التي في رأيتكم وكُنّ التي في رأيتكنّ والهاء التي في رأيته والهاء التي في رأيتها وهُما التي في رأيتهما وهُم التي في رأيتهم وهنّ التي في رأيتهن وني التي في رأيتني ونا التي في رأيتنا‏.‏

فإن قدرت على شيء من هذه الحروف في موضع لم تُوقع إيّا ذلك الموضع لأنهم استغنوا بها عن إيّا كما استغنوا بالتاء وأخواتها في الرفع عن أنت وأخواتها‏.‏

  باب استعمالهم إيّا إذا لم تقع مواقع الحروف التي ذكرنا

فمن ذلك قولهم‏:‏ إياك رأيتُ وإياك أعني فإنما استعلمت إياك ها هنا من قبل أنك لا تقدر على الكاف‏.‏

وقال الله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ وإنا أو إياكم لعلى هُدى أو في ضَلال مُبين ‏"‏ من قبل أنك لا تقدر على كُم ههنا‏.‏

وتقول‏:‏ إني وإياك منطلقان لأنك لا تقدر على الكاف‏.‏

ونظير ذلك قوله تعالى جدّه‏:‏ ‏"‏ ضلّ من تدعون إلا إياه ‏"‏‏.‏

مُبَرّأٌ من عيوب الناس كلِّهمِ فالله يرعى أبا حربٍ وإيّانا لأنه لا يقدر على نا التي في رأيتَنا‏.‏

وقال الآخر‏:‏ لعمرك ما خشيت على عديّ سيوفَ بني مقيِّدة الحمارِ ولكني خشيتُ على عديّ سيوفَ القوم أو إياك حارِ ويُروى‏:‏ رماح القوم لأنه لم يقدر على الكاف‏.‏

وتقول‏:‏ إن إياك رأيتُ كما تقول إياك رأيت من قبل أنك إذا قلت إن أفضلهم لقيتُ فأفضلَهم منتصب بلقيت‏.‏

فإن قلت‏:‏ إن أفضلهم لقيت فنصبت أفضلهم بإنّ فهو قبيح حتى تقول لقيتُه وقد بُيّن وجه ذلك وقد بيناه في باب إن وأخواتها واستُعملت إياك لقبح الكاف والهاء ها هنا‏.‏

وتقول‏:‏ عجبتُ من ضربي إياك‏.‏

فإن قلت‏:‏ لِمَ وقد تقع الكاف ها هنا وأخواتها تقول عجبتُ من ضربيكَ ومن ضربيه ومن ضربيكم فالعرب قد تكلّم بهذا وليس بالكثير‏.‏

ولم تستحكم علامات الإضمار التي لا تقع إيّا مواقعها كما استحكمت في الفعل لا يقال عجبت من ضربكَني إن بدأت به قبل المتكلم ولا من ضربهيك إن بدأت بالبعيد قبل القريب‏.‏

فلما قبُح هذا عندهم ولم تستحكم هذه الحروف عندهم في هذا الموضع صارت إيّا عندهم في ومثل ذلك‏:‏ كان إيّاه لأن كانَه قليلة ولم تستحكم هذه الحروف ها هنا لا تقول كانني وليسني ولا كانَك‏.‏

فصارت إيّا ههنا بمنزلتا في ضربي إياك‏.‏

وتقول‏:‏ أتوني ليس إياك ولا يكون إياه لأنك لا تقدر على الكاف ولا الهاء ها هنا فصارت إيّا بدلاً من الكاف والهاء في هذا الموضع‏.‏

قال الشاعر‏:‏ ليت هذا الليلَ شهرٌ لا نرى فيه عَريبا ليس إيّاي وإيّا كَ ولا نخشى رقيبا وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنهم يقولون‏:‏ ليسني وكذلك كانني‏.‏

وتقول‏:‏ عجبتُ من ضَرب زيد أنت ومن ضربك هو إذا جعلت زيداً مفعولاً وجعلت المضمَر الذي علامته الكاف فاعلاً فجاز أنت ههنا للفاعل كما جاز إيّا للمفعول لأن إيا وأنت علامتا الإضمار وامتناع التاء يقوّي دخولَ أنت ههنا‏.‏

وتقول‏:‏ قد جرّبتُك فوجدتُك أنت أنت فأنتَ الأولى مبتدأة والثانية مبنية عليها كأنك قلت فوجدتُك وجهُك طليق‏.‏

والمعنى أنك أردت أن تقول‏:‏ فوجدتك أنت الذي أعرف‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ أنت أنت وإن فعلتَ هذا فأنت أنت أي فأنت الذي أعرف أو أنت الجواد وإن شئت قلت‏:‏ قد وليتَ عملاً فكنتَ أنت إياك وقد جرّبتُك فوجدتُك أنت إياك جعلتَ أنت صفة وجعلت إياك بمنزلة الظريف إذا قلت‏:‏ فوجدتُك أنت الظريف‏.‏

والمعنى أنك أردت أن تقول وجدتُك كما كنتُ أعرف‏.‏

وهذا كله قول الخليل رحمه الله سمعناه منه‏.‏

وتقول‏:‏ أنت أنت تكرّرها كما تقول للرجل أنت وتسكت على حد قولك‏:‏ قال الناس زيد‏.‏

وعلى هذا الحد تقول‏:‏ قد جُرّبْتَ فكنتَ كنت إذا كرّرتها توكيداً وإن شئت جعلت كنتَ صفةً لأنك قد تقول‏:‏ قد جُرّبت فكنت ثم تسكت‏.‏

  باب الإضمار فيما جرى مجرى الفعل

وذلك إن ولعلّ وليتَ وأخواتها ورُويد ورُويدك وعليكَ وهلمّ وما أشبه ذلك‏.‏

فعلامات الإضمار حالهن ها هنا كحالهن في الفعل لا تقوى أن تقول‏:‏ عليك إياه ولا رُويدَ إيّاه لأنك قد تقدر على الهاء تقول عليكَه ورُويدَه‏.‏

ولا تقول‏:‏ عليك إياي لأنك قد تقدر على ني‏.‏

وحدثنا يونس أنه سمع من العرب من يقول عليكَني من غير تلقين ومنهم من لا يستعمل ني ولا نا في ذا الموضع استغناءً بعليك بي وعليك بنا عن ني ونا وإياي وإيانا‏.‏

ولو قلت عليك‏:‏ إياه كان ها هنا جائزاً في عليك وأخواتها لأنه ليس بفعل وإن شبِّه به‏.‏

ولم واعلم أنه قبيح أن تقول‏:‏ رأيت فيها إياك ورأيت اليوم إياه من قبل أنك قد تجد الإضمار الذي هو سوي إيّا وهو الكاف التي في رأيتك فيها والهاء التي في رأيته اليوم فلما قدروا على هذا الإضمار بعد الفعل ولم ينقض معنى ما أرادوا لم تكلموا بأياك استغنوا بهذا عن إياك وإياه‏.‏

ولو جاز هذا لجاز ضربَ زيدٌ إياك وإنّ فيها إياك ولكنهم لما وجدوا إنك فيها وضربَه زيدٌ ولم ينقض معنى ما أرادوا لو قالوا‏:‏ إن فيها إياك وضرب زيدٌ إياك استغنوا به عن إيّا‏.‏

وأما‏:‏ ما أتاني إلا أنت وما رأيت إلا إياك فإنه لا يدخل على هذا من قبل أنه لو أخّر إلا كان الكلام محالاً‏.‏

ولو أسقط إلا كان الكلام منقلب المعنى وصار الكلام على معنى آخر‏.‏

  باب ما يجوز في الشعر من إيّا

ولا يجوز في الكلام فمن ذلك قول حُميد الأرقط‏:‏ إليك حتّى بلغتْ إيّاكا وقال الآخر لبعض اللصوص‏:‏ كأنّا يومَ قُرّى إ نّما نقتلُ إيّانا قتلنا منهمُ كلَّ فتى أبيضَ حُسّانا اعلم أن أنت وأخواتها لا يكنّ علامات لمجرور من قبل أن أنت اسم مرفوع ولا يكون المرفوع مجروراً‏.‏

ألا ترى أنك لو قلت‏:‏ مررتُ بزيد وأنت لم يجز‏.‏

ولو قلت‏:‏ ما مررتُ بأحد إلا أنت لم يجز‏.‏

ولا يجوز إيّا أن تكون علامةً لمضمر مجرور من قبل أن إيّا علامةٌ للمنصوب فلا يكون المنصوب في موضع المجرور ولكن إضمار المجرور علاماته كعلامات المنصوب التي لا تقع مواقعَهن إيّا إلا أن تضيف الى نفسك نحو قولك‏:‏ بي ولي وعندي‏.‏

وتقول‏:‏ مررتُ بزيد وبك وما مررتُ بأحد إلا بك أعدتَ مع المضمَر الباء من قبل أنهم لا يتكلمون بالكاف وأخواتها منفردة فلذلك أعادوا الجارّ مع المضمَر‏.‏

ولم توقِع إيّا ولا أنت ولا أخواتها ههنا من قبل أن المنصوب والمرفوع لا يقعان في موضع المجرور‏.‏

  باب إضمار المفعولَين اللذين تعدّى إليهما فعلُ الفاعل

اعلم أن المفعول الثاني قد تكون علامته إذا أُضمَر في هذا الباب العلامة التي لا تقع إيّا موقعها وقد تكون علامتُه إذا أُضمَر إيّا‏.‏

فأما علامة الثاني التي لا تقع إيا موقعها فقولك‏:‏ أعطانيه وأعطانيك فهذا هكذا إذا بدأ المتكلم بنفسه‏.‏

فإن بدأ بالمخاطب قبل نفسه فقال‏:‏ أعطاكَني أو بدأ بالغائب قبل نفسه فقال‏:‏ قد أعطاهوني فهو قبيح لا تكلّمُ به العرب ولكن النحويين قاسوه‏.‏

وإنما قبُح عند العرب كراهيةَ أن يبدأ المتكلم في هذا الموضع بالأبعد قبل الأقرب ولكن تقول أعطاك إيّاي وأعطاه إياي فهذا كلام العرب‏.‏

وجعلوا إيّا تقع هذا الموقع إذ قبُح هذا عندهم كما قالوا‏:‏ إياك رأيتُ وإياي رأيت إذ لم يجز لهم ني رأيتَ ولا كَ رأيتُ‏.‏

فإذا كان المفعولان اللذان تعدّى إليهما فعل الفاعل مخاطَباً وغائباً فبدأتَ بالمخاطَب قبل الغائب فإن علامة الغائب العلامةُ التي لا تقع موقعها إيّا وذلك قوله‏:‏ أعطيتُكَه وقد أعطاكَه وقال عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ فعُمّيَتْ عليكم أنُلزمُكموها وأنتم لها كارهون ‏"‏‏.‏

فهذا هكذا إذا بدأتَ بالمخاطَب قبل الغائب‏.‏

وإنما كان المخاطَب أولى بأن يُبدأ به من قبل أن المخاطَب أقرب الى المتكلم من الغائب فكما كان المتكلم أولى بأن يبدأ بنفسه قبل المخاطَب كان المخاطَب الذي هو أقرب من الغائب أولى بأن يُبدأ به من الغائب‏.‏

فإن بدأت بالغائب فقلت‏:‏ أعطاهوكَ فهو في القبح وأنه لا يجوز بمنزلة الغائب والمخاطَب إذا بُدئ بهما قبل المتكلم ولكنك إذا بدأت بالغائب قلت قد أعطاه إياك‏.‏

وأما قول النحويين‏:‏ قد أعطاهوك وأعطاهوني فإنما هو شيء قاسوه لم تكلّم به العرب ووضعوا الكلام في غير موضعه وكان قياس هذا لو تُكلّم به كان هيّناً‏.‏

ويدخل على مَن قال هذا أن يقول الرجل إذا منحته نفسه‏:‏ قد منحتنيني‏.‏

ألا ترى أن القياس قد قبُح إذا وضعت ني في غير موضعها فإذا ذكرتَ مفعولين كلاهما غائب فقلت أعطاهوها وأعطاهاه جاز وهو عربي‏.‏

ولا عليك بأيّهما بدأت من قبل أنهما كلاهما غائب‏.‏

وهذا أيضاً ليس بالكثير في كلامهم والأكثر في كلامهم‏:‏ أعطاه إياه‏.‏

على أنه قد قال الشاعر‏:‏ وقد جعلتْ نفسي تطيبُ لضَغمةٍ لضغمِهِماها يقرعُ العَظمَ نابُها ولم تستحكم العلامات ها هنا كما لم تستحكم في‏:‏ عجبت من ضَربي إيّاك ولا في كان إياه ولا في ليس إياه‏.‏

وتقول‏:‏ حسبتُك إياه وحسبتني إياه لأن حسبتُنيه وحسبتُكَه قليل في كلامهم وذلك لأن حسبتُ بمنزلة كان إنما يدخلان على المبتدأ والمبني عليه فيكونان في الاحتياج على حال‏.‏

ألا ترى أنك لا تقتصر على الاسم الذي يقع بعدهما كما لا تقتصر عليه مبتدأ‏.‏

والمنصوبان بعد حسبتُ بمنزلة المرفوع والمنصوب بعد ليس وكان‏.‏

وكذلك الحروف التي بمنزلة حسبتُ وكان لأنهما إنما يجعلان المبتدأ والمبني عليه فيما مضى يقيناً أو شكّاً أو عِلماً وليس بفعل أحدثته ولا يجوز أن تقول ضربتُني ولا ضربتُ إيّاي لا يجوز واحدٌ منهما لأنهم قد استغنوا عن ذلك بضربتُ نفسي وإيّاي ضربتُ‏.‏

  باب لا تجوز فيه علامة المضمَر المخاطَب

ولا علامة المضمَر المتكلم ولا علامة المضمَر المحدَّث عنه الغائب وذلك أنه لا يجوز لك أن تقول للمخاطَب‏:‏ اضرِبْكَ ولا اقتُلْكَ ولا ضربْتَك لما كان المخاطب فاعلاً وجعلت مفعوله نفسه قبُح ذلك لأنهم استغنوا بقولهم اقتُل نفسك وأهلكتَ نفسك عن الكاف ها هنا وعن إياك‏.‏

وكذلك المتكلم لا يجوز له أن يقول أهلكتُني ولا أُهلكُني لأنه جعل نفسه مفعوله فقبُح وذلك لأنهم استغنوا بقولهم أنفعُ نفسي عن ني وعن إياي‏.‏

وكذلك الغائب لا يجوز لك أن تقول ضربه إذا كان فاعلاً وكان مفعوله نفسه لأنهم استغنوا عن الهاء وعن إياه بقولهم ظلم نفسه وأهلك نفسه ولكنه قد يجوز ما قبح ها هنا في حسبتُ وظننت وخلتُ وأُرى وزعمتُ ورأيت إذا لم تعنِ رؤية العين ووجدتُ إذا لم ترد وجدان الضالة وجميع حروف الشك وذلك قولك‏:‏ حسبتُني وأراني ووجدتُني فعلت كذا وكذا ورأيتُني لا يستقيم لي هذا‏.‏

وكذلك ما أشبه هذه الأفعال تكون حال علامات المضمَرين المنصوبين فيها إذا جعلت فاعليهم أنفسهم كحالها إذا كان الفاعل غير المنصوب‏.‏

ومما يثبت علامة المضمَرين المنصوبين ها هنا أنه لا يحسن إدخال النفس ها هنا‏.‏

لو قلت يظن نفسه فاعلةً وأظن نفسي فاعلةً على حد يظنه وأظنني ليُجزئَ هذا من ذا لم يُجزئ كما أجزأ أهلكتَ نفسك عن أهلكتَك فاستُغنى به عنه‏.‏

وإنما اقترفتْ حسبتُ وأخواتها والأفعال الأُخَر لأن حسبت وأخواتها إنما أدخلوها على مبتدأ ومبني عليه لتجعل الحديث شكاً أو علماً‏.‏

ألا ترى أنك لا تقتصر على المنصوب الأول كما لا تقتصر عليه مبتدأ والأفعال الأخَر إنما هي بمنزلة اسم مبتدأ والأسماء مبنية عليها‏.‏

ألا ترى أنك لا تقتصر على الاسم كما تقتصر على المبني على المبتدأ فلما صارت حسبتُ وأخواتُها بتلك المنزلة جُعلتْ بمنزلة إن وأخواتها إذا قلت إنني ولعلّني ولكنني وليتني لأن إن وأخواتها لا يُقتصر فيها على الاسم الذي يقع بعدها لأنها إنما دخلت على مبتدأ ومبني على مبتدأ‏.‏

وإذا أردت برأيتُ رؤية العين لم يجز رأيتُني لأنها حينئذ بمنزلة ضربْتُ‏.‏

وإذا أردتَ التي بمنزلة علمتُ صارت بمنزلة إن وأخواتها لأنهن لسن بأفعال وإنما يجئن لمعنى‏.‏

وكذلك هذه الأفعال إنما جئن لعلمٍ أو شك ولم يُردْ فعلاً سلف منه الى إنسان يبتدئه‏.‏

المتكلم والمجرور المتكلم اعلم أن علامة إضمار المنصوب المتكلم ني وعلامة إضمار المجرور المتكلم الياء‏.‏

ألا ترى أنك تقول إذا أضمرتَ نفسك وأنت منصوب‏:‏ ضربني وقتلني وإنني ولعلني‏.‏

وتقول إذا أضمرت نفسك مجروراً‏:‏ غلامي وعندي ومعي‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما بال العرب قد قالت‏:‏ إني وكأني ولعلي ولكني فإنه زعم أن هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة في كلامهم وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف فلما كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف حذفوا التي تلي الياء‏.‏

فإن قلت‏:‏ لعلي ليس فيها نون‏.‏

فإنه زعم أن اللام قريب من النون وهو أقرب الحروف من النون‏.‏

ألا ترى أن النون قد تُدغَم مع اللام حتى تبدَل مكانها لام وذلك لقربها منها فحذفوا هذه النون كما يحذفون ما يكثر استعمالهم إياه‏.‏

وسألته رحمه الله عن الضاربي فقال‏:‏ هذا اسم ويدخله الجرّ وإنما قالوا في الفعل‏:‏ ضربني ويضربني كراهية أن يدخلوا الكسرة في هذه الباء كما تدخل الأسماء فمنعوا هذا أن يدخله كما مُنع الجر‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد تقول اضرِب الرجل فتكسرُ فإنك لم تكسرها كسراً يكون للأسماء إنما يكون هذا لالتقاء الساكنين‏.‏

قد قال الشعراء‏:‏ ليتي إذا اضطروا كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا الضاربي والمضمَر منصوب‏.‏

قال الشاعر زيد الخليل‏:‏ كمُنية جابرٍ إذ قال ليتي أصادفه وأفقدُ جلَّ مالي وسألته رحمه الله عن قولهم عني وقدْني وقطْني ومني ولدُنّي فقلت‏:‏ ما بالهم جعلوا علامة إضمار المجرور ها هنا كعلامة إضمار المنصوب فقال‏:‏ إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإضافة إلا كان متحرّكاً مكسوراً ولم يريدوا أن يحركوا الطاء التي في قطْ ولا النون التي في مِن فلم يكن لهم بدّ من أن يجيئوا بحرف لياء الإضافة متحرك إذ لم يريدوا أن يحركوا الطاء ولا النونات لأنها لا تئكَر أبداً إلا وقبلها حرف متحرك مكسور‏.‏

وكانت النون أولى لأن من كلامهم أن تكون النون والياء علامة المتكلم فجاءوا بالنون لأنها إذا كانت مع الياء لم تخرج هذه العلامة من علامات الإضمار وكرهوا أن يجيئوا بحرف غير النون فيخرجوا من علامات الإضمار‏.‏

وإنما حملهم على أن لا يحركوا الطاء والنونات كراهيةُ أن تشبه الأسماء نحو يدٍ وهَنٍ‏.‏

وأما ما تحرّك آخره فنحو مع ولدُ كتحريك أواخر هذه الأسماء لأنه إذا تحرك آخره فقد صار كأواخر وقد جاء في الشعر‏:‏ قطِي وقَدي‏.‏

فأما الكلام فلابدّ فيه من النون وقد اضطرّ الشاعر فقال قدِي شبّهه بحسبي لأن المعنى واحد‏.‏

قال الشاعر‏:‏ قدْني من نصر الخُبيبَين قدِي ليس الإمامُ بالشحيح المُلحدِ لما اضطرّ شبهه بحسبي وهَني لأن ما بعد هنٍ وحسب مجرور كما أن ما بعد قد مجرور فجعلوا علامة الإضمار فيهما سواء كما قال ليتي حيث اضطرّ فشبّهه بالاسم نحو الضاربي لأن ما بعدهما في الإظهار سواء فلما اضطرّ جُعل ما بعدهما في الإضمار سواءً‏.‏

وسألناه رحمه الله عن إلى ولدى وعلى فقلنا‏:‏ هذه الحروف ساكنة ولا ترى النون دخلتْ عليها‏.‏

فقال‏:‏ من قبل أن الألف في لدى والياء في على اللذين قبلهما حرف مفتوح لا تحرّكُ في كلامهم واحدة منهما لياء الإضافة ويكون التحريك لازماً لياء الإضافة فلما علموا أن هذه المواضع ليس لياء الإضافة عليها سبيلٌ بتحريك كما كان لها السبيل على سائر حروف المُعجم لم يجيئوا بالنون إذ علموا أن الياء في ذا الموضع والألف ليستا من الحروف التي تحرّك لياء الإضافة‏.‏

ولو أضفت الى الياء الكاف التي تجرّ بها لقلت‏:‏ ما أنت كِي والفتح خطأ وهي متحركة كما أن أواخر الأسماء متحركة وهي تجرّ كما أن الأسماء تجرّ ولكن العرب قلما تكلموا بذا‏.‏

وأما قطْ وعن ولدُن فإنهن تباعدنَ من الأسماء ولزمهن ما لا يدخل الأسماء المتمكنة وهو السكون وإنما يدخل ذلك على الفعل نحو خُذْ وزِنْ فضارعت الفعل وما لا يُجَرّ أبداً وهو ما أشبه الفعل فأجريت مجراه ولم يحرّكوه‏.‏